الرئيسية / صحف ومقالات / الجمهورية : الصندوق لضمان قروضه.. والإختلاف ‏على الأرقام لتجنُّب الإصلاحات
الجمهورية

الجمهورية : الصندوق لضمان قروضه.. والإختلاف ‏على الأرقام لتجنُّب الإصلاحات

كتبت صحيفة ” الجمهورية ” تقول : حينما سمّت السلطة فريقها الوزاري بـ”حكومة مواجهة التحدّيات”، ‏ظنّ الناس انفسهم، امام “حالة سوبرمانيّة” تمتلك قوة خارقة لكل ‏الحيطان التي تمنع الهواء عن لبنان، وتسدّ كل المنافذ المؤدّية الى ‏انفراجات. ولكن سرعان ما ذاب الثلج عن وجهها التكنوقراطي، وبانت ‏على حقيقتها كحصان مربوط في آخر عربة البلد، يجرّها الى الخلف، ‏وانحدر معها البلد من انهيار الى هريان كامل وعلى كل المستويات. ‏ولم تقدّم للبنانيين سوى مسلسل طويل من السقطات في كل ‏المجالات، نالت منه بامتياز لقب: حكومة العتم والهريان واللاحلول.‏
‏ ‏
مسلسل السقوط
‏ ‏
سقطت السلطة في التعيينات، وفي التشكيلات، وفي التخطيط، ‏وفي الادارة، وفي الكهرباء وكامل القطاعات، وحتى في النفايات، ‏وايضاً في ما وصفتها “خطة التعافي” او بالاحرى خطة التخبّط ‏والارتباك والاختلاف على الارقام. وسقطت أمام الدولار، وأمام صندوق ‏النقد الدولي وامام المجتمع الدولي وكل مؤسساته المالية. واخيراً ‏وليس أخراً، سقطت امام “كورونا” الذي حصد يوم امس 91 حالة ‏جديدة.‏
‏ ‏
ومع ذلك، فإنّ مسلسل السقوط ما زال مستمراً، وبوتيرة مخيفة ‏ومتسارعة، حتى وصلت الازمة الاقتصادية والمالية الى وضع غير ‏قابل للسيطرة او الاحتواء. أمّا المواطن اللبناني فأصبح في ظلّ هذه ‏السلطة متسوّلا للقمته، ولم يبق له سوى ان يقتطع من لحمه ليؤمّن ‏قوت ابنائه.‏
‏ ‏
والأنكى من كل ذلك، انّ هذه السلطة، قرّرت بكل وقاحة، الاّ يرفّ لها ‏جفن، امام الحالة المأساوية التي بلغها البلد، بل الهروب الى الأمام؛ ‏المكابرة هي الفعل اليومي لهذه السلطة، عينها فقط على الماضي ‏لتلقي بكل المسؤوليات عليه، ولغة التعالي هي الوحيدة التي تتقنها ‏امام كل من يدعوها للنظر الى الامام، ولغة التحدّي هي الوحيدة التي ‏تواجه فيها كل من يحاول ان يتوجّه اليها بالنُصح، او ينهاها عن الخطأ، ‏او يرشدها الى الصحّ، وحديثها الدائم عن حصار خارجي لها، ومتآمرين ‏في الداخل يمنعون تقدّمها وإقدامها، ويسعون الى الانقلاب عليها.‏
‏‏ ‏
لقد افلست هذه السلطة بشكل كامل؛ لم تعد تعني أيًّا من اللبنانيين ‏بل صارت عبئاً عليهم، يزيد من أعبائهم يوماً بعد يوم، والعالم كلّه ملّ ‏منها، ومن مطالباته المتكرّرة لها بالإقدام، على خطوة واحدة، تثبت ‏من خلالها انّها تمتلك، ولو بعض قليل جداً، من الحسّ بالمسؤولية. لا ‏بل أنّ العالم كله صار يسخر منها، ولا يتردّد في توبيخها على تمنّعها، ‏غير المبرر وغير المفهوم، سلوك طريق الإنقاذ دخولاً من باب ‏الإصلاحات، وهو وضع جعل العالم بأسره يجاهر علناً بلا اهليتها، ‏والمثال الاخير في ما توجّه به وزير الخارجية الفرنسية ايف لودريان ‏الى السلطة ومفاده، “ساعدوا أنفسكم لكي نساعدكم”. وهذا يكمّل ‏سلسلة الرسائل القاسية التي تلقتها هذه السلطة من مجموعة الدعم ‏الدولية للبنان والمستثمرين والمؤسسات المالية الدولية، وفي ‏مقدّمها صندوق النقد الدولي، والتي اجمعت جملةً قيلت بكل اللغات، ‏لعلّ السلطة تفهم مغزاها ومعناها، ومفادها: “لم نرَ دولة في العالم ‏تحارب نفسها كما يحصل في لبنان”.‏
‏ ‏
بالأمس، ذاق اللبنانيون مرارة يوم جديد من الأزمة التي تعصف بهم، ‏والدولار يطرق باب الـ10 آلاف ليرة. واما السلطة فما زالت على رهانها ‏بأنّ الدولار سينخفض، وتتحدث عن “السوق السوداء” كأمر واقع ‏مسلّم به، وكقوة جبارة غير قابلة للإقفال او الاحتواء، ومن دون ان ‏تحرّك اجهزتها المالية والامنية والعسكرية لردعها. علماً انّ تسعير ‏الدولار في “السوق السوداء” بالشكل الذي يحصل فيه والقفزات من ‏‏1000 الى 2000 ليرة في اليوم الواحد، تنذر بأنّه لن يطول الوقت حتى ‏يصل سعره الى سقوف خيالية.‏
‏‏ ‏
الشيطان الاخرس
‏ ‏
حاولت “الجمهورية” ان تستفسر عمّا اذا كانت السلطة ستبقى في ‏موقع الشيطان الاخرس الساكت على جريمة ضرب العملة الوطنية، ‏ام انّها ستبادر الى اجراء ما يمنع الجريمة المتمادية بحق لبنان، فجاء ‏الجواب من وزارة الداخلية، “بأنّ التحكّم بالسوق السوداء أمر صعب ‏جداً، ذلك انّ شرائح واسعة من الناس تشارك في لعبة الدولار، تُضاف ‏الى ذلك “غروبات الواتساب” التي تسعّر الدولار كما تشاء، بالتوازي ‏مع عملية خطيرة تتبدّى في بعض “التطبيقات الالكترونية”، او ‏‏”الابليكايشن” ومصدرها بغالبيتها من خارج لبنان، تقوم بالتلاعب ‏المنظّم والمدروس بالدولار، وتخفيض قيمة الليرة اللبنانية، وهذا الامر ‏قيد المتابعة”‏
‏ ‏
اما جواب السرايا، فجاء عبر مصادرها لـ”الجمهورية”، ويفيد بعدم ‏القدرة على مواجهة السوق السوداء، وحتى الآن لا يوجد في يد ‏الحكومة اي اجراء لردعها، وخصوصاً انّ كل الناس دخلت في لعبة ‏الصيرفة، وهذا تلمسه في كل المجالات.‏
‏ ‏
اضافت المصادر: “اننا نعوّل على السلّة الغذائية والاستهلاكية ‏المدعومة، والتي ستخلق مع بدء سريانها الذي اصبح وشيكاً جداً، ‏واقعاً جديداً يخفف الطلب على الدولار، ويخفّض الاسعار، ونحن ما ‏زلنا على يقين بأنّ الدولار سيشهد انخفاضاً كبيراً في الفترة المقبلة، ‏وتقديراتنا انّه سينخفض الى ما دون الـ5 آلاف ليرة. وكل المؤسسات ‏المالية والاقتصادية تؤكّد انّ سعر الدولار ليس هو الطبيعي المتداول ‏في السوق السوداء، بل هو سعر سياسي، المقصود منه ليس انهيار ‏الليرة فقط، انما انهيار الحكومة، وهذا ما لن يحصل”.‏
‏ ‏ ‏
ماذا بعد الكويت؟
‏ ‏
الى ذلك، ووفق معلومات “الجمهورية”، فإنّ النتائج التي ترتبت على ‏طرق الباب الكويتي سعياً لمساعدات مالية وعينيّة، لم تكن مرضية ‏للجانب الحكومي.‏
‏ ‏
وقالت مصادر ديبلوماسية معنية بالشأن الكويتي لـ”الجمهورية”: ‏‏”الكويت لم تشرْ لا من قريب أو بعيد الى إمكان تقديم هبات او ودائع ‏مالية للبنان. بعض اللبنانيّين استعجلوا بهذه الفرضيات التي لا ‏نعتبرها بريئة، بل انّ الكويت وانطلاقاً من حرصها على استقرار لبنان، ‏وما تكنّه من عواطف اخوّة للبنان، راغبة في مد اليد العون للبنان، ‏ومحادثات اللواء عباس ابراهيم مع المسؤولين الكويتيين تناولت كلّ ‏الابواب التي يمكن للكويت ان تساعد فيها، وخصوصاً في مجال ‏المشتقات النفطية، وقد تلقّى وعداً بالاستجابة الى ما يطالب به ‏لبنان، وهذا الامر بطبيعة الحال يتطلب متابعة وبعض الدراسة، كما ‏يتطلب في الوقت نفسه ان تبادر الحكومة اللبنانية الى اجراء ‏اصلاحات تخفف من خلالها وطأة الازمة على لبنان”.‏
‏ ‏
ولم تستبعد المصادر حصول تواصل جديد بين الكويت ولبنان في ‏فترة لاحقة، وقالت: “الايام القليلة المقبلة ستشهد تدفقاً للسياح ‏الكويتيين الى لبنان، وهو ما ابلغه السفير الكويتي في لبنان عبد ‏العال القناعي الى رئيس مجلس النواب نبيه بري في زيارته الاخيرة له ‏في عين التينة”.‏
‏‏ ‏
بري: الانفتاح العربي
‏ ‏
وكان اللواء ابراهيم قد وضع الرئيس بري في اجواء محادثاته في ‏الكويت. وقالت مصادر عين التينة لـ”الجمهورية”، انّ الاجواء التي ‏نقلها اللواء ابراهيم ايجابية ومشجعة، وعكست حرصاً كويتياً اكيداً على ‏لبنان.‏
‏ ‏
ورداً على سؤال قالت المصادر، انّ رئيس المجلس يرى انّ من ‏الضروري جداً ان تتكثف حركة الاتصالات والرسل في اتجاه الاشقاء ‏العرب، وهو حتى الآن ما زال مؤملاً في انّه لا بدّ من ان يكون هناك ‏انفتاح عربي.‏
‏‏ ‏
ابراهيم والبخاري
‏ ‏
وكانت لافتة للانتباه امس، زيارة قام بها المدير العام للامن العام ‏اللواء عباس ابراهيم، الى السفير السعودي في لبنان وليد البخاري، ‏في دارته في اليرزة. وتأتي هذه الزيارة غداة عودة اللواء ابراهيم من ‏زيارة الى الكويت، مرتبطة بتقديم مساعدات للبنان في محنته الراهنة.‏
‏ ‏
وبعد اللقاء، قال ابراهيم: “الزيارة من دون هدف، والسفير شَرّفني ‏ودعاني للعشاء، وأنا أشعر أنني في منزلي، والإنشغالات أبعدتنا قليلاً ‏وسبق أن زارنا السفير بخاري في منزلي، ونعتبر السعودية المفتاح ‏للدول العربية ولسنا ساعين للاصطفاف في أيّ مكان، والسعودية ‏هي الشقيق الأكبر للبنان”.‏
‏ ‏
واعتبر أنه “لا أحد يحاصر الحكومة وهي تعمل ومستمرة في العمل ‏والناس تحكم على النتائج، وأخبرتُ السفير السعودي بما نقوم به، ولا ‏شيء يمنع أن تكون البداية والنهاية في السعودية”. وقال: “الأجواء ‏إيجابية جداً، ونحن نبحث عن مساحات مشتركة تعود بالفائدة على ‏الدول التي نزورها وعلى لبنان، وأنا لا أطلب ودائع، وهناك تكامل ‏إقتصادي عربي يجب أن يستفيد منه لبنان كما الدول العربية”.‏
‏‏ ‏
كلمة من الاميركيين
‏ ‏
في السياق ذاته، قالت مصادر وزارية قريبة من رئيس الحكومة ‏لـ”الجمهورية”، انّ الحكومة راغبة في الانفتاح على كل الاشقاء العرب، ‏وهي مقتنعة ومدركة تمام الادراك انّ الاشقاء لن يتركوا لبنان.‏
‏ ‏
ورداً على سؤال عمّا اذا كانت الحكومة تأمل في ان تلقى مبادرات ‏سريعة من الدول العربية والخليجية على وجه الخصوص، تخفف من ‏وطأة الازمة، قالت المصادر: “يجب ان نعترف انّ كل ذلك متوقف ‏على كلمة واحدة من الاميركيين، وهذا الامر لم يحصل حتى الآن”.‏
‏‏ ‏
الصندوق”: وقف التحويلات
‏ ‏
مالياً، علمت “الجمهورية” انّ لجنة المال والموازنة بصدد عقد جلسات ‏مكثفة حول موضوع “الكابيتال كونترول”، وذلك بعد تلقيها ‏الملاحظات المكتوبة التي طلبتها في اجتماعها الاخير، من وزارة ‏المالية، ومصرف لبنان وجمعية المصارف. وذلك ليصار الى صياغة ‏جديدة لاقتراح قانون “الكابيتال كونترول”، وفق الملاحظات التي قدّمها ‏صندوق النقد الدولي، وتمّ توزيعها على النواب في الجلسة.‏
‏ ‏
وقالت مصادر اللجنة لـ”الجمهورية”، انّ صياغة الاقتراح لن تأخذ وقتاً ‏طويلاً، فيما لو استجابت الجهات الثلاث وقدّمت ملاحظاتها في وقت ‏سريع. وخصوصاً انّ الاقتراح القديم قد تمّ سحبه من الجلسة ‏التشريعية لمجلس النواب، واحيل الى لجنة المال والموازنة، بعدما ‏تبيّن انّه بالصيغة التي كان عليها غير قابل للإقرار، وبعدما اشار ‏صندوق النقد الى انّ لديه سلسلة ملاحظات ينبغي ان تؤخذ في ‏الاعتبار لكي يحقق الاقتراح الغاية المرجوة منه.‏
‏ ‏
وعلمت “الجمهورية”، انّ ملاحظات صندوق النقد تركّز على مسائل ‏اساسية يرى الصندوق ضرورة ان يلحظها اقتراح القانون، حيث تلحظ ‏ملاحظاته المساواة في التحويلات، وعدم التمييز بين المودعين. ‏ووفقاً لملاحظاته يؤكّد الصندوق ضرورة “الكابيتال كونترول” لأنّه ان ‏تمّ الاتفاق على برناج مع لبنان، وتلقّى قروضاً من صندوق النقد، فإنّ ‏الصندوق يشدّد على ان تُستعمل هذه القروض في داخل لبنان، اي ان ‏تذهب الى اهدافها المحدّدة لها، وليس ان تتوفّر سيولة عبر هذه ‏القروض، وتصل الى المصارف التي قد تقوم بتهريبها الى عملائها ‏المميزين من سياسيين وغير سياسيين الى خارج لبنان. ومن هنا اصرار ‏الصندوق على وقف التحويلات الى الخارج.‏
‏‏ ‏
فضيحة المفاوضات
‏ ‏
بدأت مسألة المفاوضات مع صندوق النقد تتحول فضيحة إضافية ‏تُضاف الى لائحة الفضائح التي تشوّه سمعة البلد، وتُنفّر المجتمع ‏الدولي منه. وتتمثل الفضيحة الجديدة بالشلل الذي يصيب التفاوض ‏مع الصندوق، والمراوحة حول نقطة واحدة: توحيد ارقام الخسائر ‏وتوزيعها على الدولة والقطاعات. وحول هذه النقطة لا تزال الامور ‏جامدة، وكأنّ الحكومة لم تعقد 17 اجتماعاً حتى الآن مع المفاوضين ‏في الصندوق.‏
‏ ‏
هذا الكلام ليس من باب التحليل، بل يؤكده مسؤول سابق في ‏صندوق النقد، يعرف خفايا المفاوضات التي تجري بين الدول ‏والصندوق.‏
‏ ‏
وكشف هذا المسؤول لـ”الجمهورية” انه “لو توحّدت السلطات، من ‏مجلس نواب وجمعية المصارف ومصرف لبنان، حول الارقام الواردة ‏في خطة الحكومة لكان لبنان قد توصّل منذ فترة الى برنامج إنقاذ مع ‏صندوق النقد الدولي “لأنّ المفاوضات لا تحتاج الى تلك الفترة ‏الطويلة ولم يكن يجب ان تبقى قائمة لغاية اليوم”.‏
‏ ‏
ونصح الحكومة اللبنانية بنقل الكرة من ملعب الخلافات اللبنانية ‏الداخلية حول الارقام والخسائر، ورَميها في ملعب صندوق النقد ‏الدولي الذي يملك كافة الارقام وكافة التقديرات، عبر الطلب من ‏الصندوق اقتراح البرنامج الذي يعتبره مناسباً وشاملاً لكل القطاعات، ‏على أن تكون الحكومة مستعدّة لدعمه.‏
‏ ‏
وفي السياق ذاته، قالت مصادر مطلعة على اجواء صندوق النقد ‏الدولي لـ”الجمهورية” انّ موضوع الارقام مهم جداً، والأهم هو ان ‏تأتي الارقام منطقية وموضوعية لا تكبر حجم الخسائر ولا تقللها، وهذا ‏ما يطلبه الصندوق.‏
‏ ‏
وعكست المصادر انتقاداً من الصندوق لأداء السلطة اللبنانية، وخشية ‏من ان يكون الاستغراق في الارقام والخلاف حولها، فيه نوع من ‏القنابل الدخانية للتغطية على المشكلة الحقيقية التي هي عدم إجراء ‏الاصلاحات، التي تؤخر الاتفاق مع صندوق النقد حول برنامج لمساعدة ‏لبنان، ويجب ان تعلم الحكومة اللبنانية أن لا مجال لدفع أيّ قرش من ‏الصندوق طالما انّ الاصلاحات المطلوبة لم تنفذ.‏
‏‏ ‏
طار الحاضر والمستقبل
‏ ‏
الى ذلك، قالت مصادر الهيئات الاقتصادية لـ”الجمهورية” انّ الوضع ‏بات يُنذر بخطر كبير، وكل القطاعات الاقتصادية في حالة شبه انهيار، ‏ما يعني انّ المستقبل غير مطمئن على الاطلاق، خصوصاً انّ آلاف ‏المؤسسات والقطاعات أقفلت او هي على طريق الاقفال، ما يعني ‏عشرات الآلاف من العاطلين عن العمل.‏
‏ ‏
وبحسب المصادر فإنّ لبنان مهدد بالكامل، وعلى السلطة أن تدرك انه ‏لا يستطيع ان يُكمل بهذه الطريقة التي تدمّر حاضره ومستقبله. ‏وبالتالي، فإنّ المطلوب اجراءات إنقاذية سريعة، توقِف الانهيار الذي ‏يهدد كل شيء.‏
‏ ‏
يتقاطع ذلك مع تحذيرات الخبراء الاقتصاديين والماليين من انّ الحلول ‏الترقيعية لا تفيد لبنان ابداً، إذ انّ أقصى ما يمكن ان ينتج عنها هو ‏بعض التسكين للوجع، فلا يوجد أي حل لا بِسلّة ولا بغير سَلة، ‏وإجراءات السلطة كلها لم تكن بمستوى الازمة، فلبنان يعاني العجز ‏في كل شيء: عجز في ميزان المدفوعات، عجز في الخزينة وعجز في ‏الموازنة. والانهيار المالي كبير جداً، ما يعني الهريان الكامل، وانّ الحل ‏الوحيد يبدأ في حالة وحيدة وهي ان تهبط علينا المليارات، وعندما ‏يفرج القرار السياسي عن الاصلاحات التي يطالب فيها العالم بأسره، ‏وكما هو واضح انّ كلا الأمرين صعب جداً إن لم يكن مستحيلاً.‏
‏‏ ‏
إقتدوا بقبرص
‏ ‏
كهربائيّاً، البلد يصارع العتمة الناجمة عن هريان القطاع الكهربائي، ‏وتَسلّط عصابات الفيول وسرقة المحروقات التي تتصدّرها فضيحة ‏‏”محميّات لصوص المازوت”، حيث اعترف الوزير المعني، وعلى ‏الهواء مباشرة، انّ المازوت تبخّر، ولكن الى أين ومن أخذه؟ لا جواب، ‏ولا أي إجراء رادع تُبادر اليه السلطة.‏
‏ ‏
وعلى مسافة كيلومترات بحراً من لبنان تقع قبرص التي قدمت بحق ‏القيّمين على قطاع الكهرباء منذ سنوات طويلة، شهادة إثبات بطريقة ‏غير مباشرة، على كيفية ادارة القطاع الكهربائي والعقلية الفاشلة التي ‏حًكمته وتسببت بخسارة مليارات الدولارات.‏
‏ ‏
وقال معنيّون بالقطاع الكهربائي لـ”الجمهورية”: وَضعنا الكهربائي من ‏سيئ الى أسوأ، ومنذ ما يزيد على 10 سنوات، يُحكى عن محطات ‏تغويز بدل الفيول، وبطرق مريبة جرى الاصرار على بواخر الكهرباء ‏التي تعمل بالفيول، وبكلفة يتكبّدها لبنان بمئات ملايين الدولارات ‏سنوياً، ولم تنفع المطالبات الحثيثة من كل جانب بالانتقال الى الغاز ‏وصَرف النظر عن هذه البواخر، التي لم تبدّل في واقع الحال ‏الكهربائي شيئاً، بل بالعكس زادته سوءاً لِما تستبطنه من صفقات.‏
‏ ‏
وأشار هؤلاء الى انّ قبرص، وهي دولة جارة للبنان، تعرف مصلحتها، ‏حيث اتخذت قراراً واشترت محطة تغويز نقالة، مثل البواخر التي ‏يستأجرها لبنان، وقامت بتركيبها قبل ايام، وبكلفة 268 مليون يورو، أي ‏ما يقارب 320 مليون دولار، وهو مبلغ يساوي اقل من نصف ما يدفعه ‏لبنان إيجاراً لبواخر الفيول.‏
‏ ‏
وأشارت المصادر الى انّ الصندوق، وحتى الآن، لم يقفل الباب امام ‏لبنان، بل هو يلجأ الى مساعدة الجانب اللبناني وإرشاده الى ابواب ‏الحلول، وأولها الاصلاحات، وآخرها الخطة التي قدمتها الحكومة، التي ‏لا يرى الصندوق انها تتمتع بالقوة الانقاذية للأزمة، ومن هنا جاء الكلام ‏الاخير لممثل صندوق النقد حينما دعا الى الاتفاق بين اللبنانيين على ‏ارقام الخسائر، وأعلن جهوزية الصندوق لتحسين الخطة، والمشكلة انّ ‏الجانب تعامل مع الشق المتعلق بالارقام، وتجاهَل الشق الاساس في ‏كلام ممثل الصندوق عن استعداد لتحسين الخطة، فهذا معناه انّ ‏الخطة المقدمة من الحكومة ليست صالحة للاتفاق على برنامج ‏مساعدات للبنان على أساسها.‏
‏‏ ‏
عصابة الفيول
‏ ‏
يأتي ذلك، بالتوازي مع فضيحة كبرى كشفتها التحقيقات بأنّ اكثر من ‏عصابة تستفيد من الفيول وبمبالغ خيالية. وبحسب ما كشفته مصادر ‏موثوقة لـ”الجمهورية” فإنّ المعنيين بالفيول قد حدّدوا بطريقة عجيبة ‏غريبة مواصفات الفيول المستورد الى لبنان، وهي ليست متوفّرة ‏دولياً، ففي العالم تنتج المصافي امّا 1 % كبريت أو 3 % كبريت، أمّا ‏مواصفات الفيول الذي يُورّد الى لبنان فهو 2 %. وللوصول الى الـ2 % ‏هذا يفرض عليهم ان يعدّوا ما يمكن وصفها بـ”الخلطة الخاصة”. ‏فيشترون نفايات المصافي من الفيول بأسعار رخيصة، ثم يقومون ‏بخلطها في مكان ما في البحر، ومن ثم تنقل الى لبنان، وهم على هذا ‏المنوال منذ سنوات طويلة، ما يعني لصوصية سرقت مئات ملايين ‏الدولارات من لبنان.‏
‏‏ ‏
عون والراعي
‏ ‏
سياسيّاً، برزت أمس زيارة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة ‏بطرس الراعي الى القصر الجمهوري ولقاؤه رئيس الجمهورية العماد ‏ميشال عون.‏
‏ ‏
وقال الراعي: “الحياد يعني أن نلتزم القضايا العربية المشتركة من ‏دون الدخول في صراعات سياسية وعسكرية أو الدخول في أحلاف، ‏إنما أن نكون المدافع الاول عن العدالة والسلام والتفاهم في القضايا ‏العربية كما الدولية مع استثناء إسرائيل”.‏
‏ ‏
أضاف: “الحياد يعني دولة قوية وجيشاً قوياً ولا إشكال بهذا الموضوع ‏مع فخامة الرئيس، وهو كان من أول المُنادين به”.‏
‏ ‏
وأوضح الراعي “أنّ بكركي لا تسير لا مع معارضة ولا مع موالاة، فإنْ ‏مَشينا مع أحد الاطراف سنخسر كلمتنا الحرة”. وقال: “أوضحتُ للرئيس ‏عون أنني أعني الجميع في موضوع حصار الشرعية، ومنهم اولئك ‏الذين يقاطعون الرئاسة”.‏
‏ ‏
وفي المعلومات انّ البطريرك أوضح لرئيس الجمهورية انّ فكرة الحياد ‏لا تستهدف أي طرف إنما تحييد لبنان عن الصراعات، فيما أكد الرئيس ‏عون للبطريرك “انّ التوافق بين المكوّنات اللبنانية هو الاساس لأيّ ‏خيار يتناول الواقع اللبناني”، واعتبر “أنّ الوفاق الوطني هو الضمانة ‏الاساسية لأي حل للازمة اللبنانية”.‏
‏‏ ‏
‏”الجبهة المدنية الوطنية”‏
‏ ‏
الى ذلك، وتحت عنوان “الثورة مستمرة”، تلاقى عدد من ناشطي ‏ثورة 17 تشرين ومجموعاتها وقادة الرأي من أكاديميين وقضاة وسفراء ‏سابقين وضباط متقاعدين، وأطلقوا “الجبهة المدنية الوطنية” إطاراً ‏وطنياً جامعاً لتنسيق العمل وتوحيد الجهود للوصول إلى تحقيق ‏مطالب الثورة.‏
‏ ‏
وتمّ وضع وثيقة تأسيسية شدّدت على عدد من الثوابت: تشكيل ‏حكومة مستقلة ذات صلاحيات إستثنائية تضطلع بالمهام التالية:‏
‏ ‏
‏- وضع خطة اقتصادية إنقاذية قابلة للحياة.‏
‏- تنفيذ الاصلاحات الهيكلية المطلوبة لبرنامج الإنقاذ الاقتصادي.‏
‏- تنظيم انتخابات نيابية مبكرة حرة ونزيهة، مع إقرار نظام انتخابي ‏يحقق عدالة التمثيل.‏
‏- بناء قضاء مستقل.‏
‏- التشبّث بالسيادة اللبنانية، وتثبيت مسار الدولة المدنية، وبناء ‏اقتصاد وطني منتج ومستدام في خدمة المواطن.‏
‏ ‏
وعقدت خلوة للمشاركين لمناقشة آليّات المتابعة. حيث ستعمل ‏الجبهة على تكريس مطالب الثورة انطلاقاً من روحية ما نادى به ‏الشعب في 17 تشرين الأول 2019، وتضع في رأس أولوياتها اتّخاذ ‏التدابير التي تكرّس استقلالية القضاء وإقرار نظام للحماية الاجتماعية ‏الشاملة.‏

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *