الرئيسية / صحف ومقالات / الجمهورية:كورونا” يحبس لبنان و”التنِّين” يعصف به.. والاقتصاد ينتظر!
الجمهورية

الجمهورية:كورونا” يحبس لبنان و”التنِّين” يعصف به.. والاقتصاد ينتظر!

كتبت “الجمهورية” تقول:مع الانتشار السريع لفيروس “كورونا”، ومع الوتيرة البطيئة التي تتم فيها محاولات احتواء هذا الفيروس الخبيث، حسناً فعل اللبنانيون بأغلبيتهم الساحقة بأن التزموا منازلهم في إجراء وقائي لا بد منه، ريثما تنجلي هذه الغمامة السوداء، علماً أنه لا يُعرَف حتى الآن كم سيستمر هذا الكابوس المرعب قابضاً على أنفاس الناس. والأعداد الرهيبة من الاصابات التي يُعلن عنها على امتداد الكرة الارضية تضع اللبنانيين جميعهم أمام مسؤولية التزام أقصى درجات الوعي، والتقيّد بالحد الاقصى من إجراءات الوقاية الذاتية، باعتبارها السبيل الوحيد المُتاح أمامهم لرد هذا الخطر عنهم.

هي اكثر من حالة حرب يعيشها اللبنانيون في هذه الفترة، ولكن ليس كأيّ حرب، وأصوات المدافع والقذائف أخفّ وطأة عليهم من صوت الخوف المدوّي في كل بيت، لأنّ هذا الوباء أذهب النوم من عيون أهله. هي الحرب مع أشباح حكمت على اللبنانيين بالعقاب الجماعي، واستحال معها لبنان بلداً منكوباً، حزيناً، خائفاً، معطلاً، مشلولاً، بدأت مع لصوص الهيكل بإيصالهم الوضع الاقتصادي والمالي الى حال كارثي، واستكملتها “كورونا” بضرب الوضع الصحّي، ليأتي “التنّين” ويكمل إجهازه على ما تبقى، بعاصفة هوائية عاتية أحدثت خراباً وأضراراً رهيبة في المنازل والمزروعات والشوارع والسيارات والممتلكات في مختلف المناطق اللبنانية، وكاد صفيرها يقتلع الناس من بيوتهم، أو بالأحرى ملاجئهم التي لاذوا اليها هرباً من الوباء، ولولا العناية الالهية كاد “التنّين” يؤدي الى كارثة جويّة، بعدما علقت طائرة ركاب مدنية، في قلب العاصفة، لحظة محاولة هبوطها في المطار.

عبء جديد

وألقى هذا الهجوم المناخي، الذي ضرب لبنان في الساعات الماضية، عبئاً جديداً على اللبنانيين، واستنفزت الأجهزة الرسميّة لإحصاء الأضرار، في وقت اقترب الاعلان الرسمي عن حالة طوارىء صحيّة، خصوصاً انّ بورصة الفيروس الخبيث تسجّل مزيداً من الاصابات التي قاربت في لبنان أمس الـ80 اصابة، وهي بالتأكيد نسبة قابلة للارتفاع مع الانتشار السريع لهذا الفيروس، بالتوازي مع البطء الرسمي، وضعف إمكانات المواجهة والاحتواء.

جعجع يلوّح بالقضاء

هذا البطء الرسمي وضع الدولة في خانة الاتهام بالتقصير وعدم القيام بما يتطلّبه هذا الخطر من اجراءات سريعة، أسوة بما هو معمول به في كل الدول المنكوبة بـ”كورونا”. ولفتت في هذا السياق الانتقادات التي وجّهها رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع للحكومة ووزارة الصحة، والتي خَلص فيها الى التلويح بالمقاضاة الجزائية لرئيس الحكومة ووزير الصحة، إن لم تقم الحكومة بما عليها.

حسن

في المقابل، أعلن وزير الصحة حمد حسن انّه من الممكن إعلان حالة طوارئ مدنيّة أو صحيّة، لافتاً الى انّ “الإجراءات في مطار بيروت موازية لإجراءات مطار شارل ديغول وجميع المطارات المتقدمة في العالم”.

ودعا الى “تخفيف التنظير على وزارة الصحة واللجنة الوطنية لمواجهة كورونا، والحديث عن أنّ وزارة الصحة تقوم بإخفاء عدد الحالات الحقيقي هو أمر معيب ومرفوض وغير صحيح، ومسوّق الإشاعات يجب أن يُحاسب”.

إيجابيات

في الجانب الآخر للأزمة، يبقى الترقّب هو السيّد على الخط السياسي – الاقتصادي، لكيفية تعاطي الدائنين الخارجيين مع تعليق لبنان دفع سندات “اليوروبوندز”، وهو أمر ستتوضّح معالمه الاسبوع المقبل، على حد ما أكدته مصادر وزارية معنيّة لـ”الجمهورية”، حيث اشارت الى انّ الاجواء الاولية للتفاوض الذي يجري مع حملة السندات، تحمل بعض الايجابيات على هذا الصعيد، ولكن ليس في الامكان اعتبارها ايجابيات كاملة حتى الآن، وهو ما سيتوضّح أكثر في الفترة التي تلي انتهاء فترة السماح المحددة بأسبوع وتنتهي الاثنين المقبل في 16 آذار الجاري.

برنامج الحكومة

والتقصير الرسمي في توفير الامان الصحّي للبنانيّين، يوازيه ثبات الحكومة على رصيف الأزمة الاقتصادية والمالية، وعدم دخولها الفاعل حتى الآن الى ميدان العمل المباشر وما يتطلّبه من خطوات تنفيذية تخفف من وطأة الأزمة.

وبحسب معلومات “الجمهورية” فإنّ تأخر الإجراءات الحكوميّة الموعودة، كان محلّ استغراب عدد من السفراء والديبلوماسيّين االغربيّين، وجرى التعبير عنه صراحة أمام كبار المسؤولين وعدد من الوزراء، حيث نبّه هؤلاء من “انّ الوقت ليس لصالح لبنان، وتأخره في بدء المعالجات الاصلاحية التي يعانيها في اقتصاده وماليته، ستصبح معه الأزمة في وضع ميؤوس منه”.

وفي هذا السياق، قالت مصادر السراي الحكومي لـ”الجمهورية”: ان الحكومة تدرك المهمة الموكلة اليها، ومنذ نيلها الثقة، وضعت نفسها في حالة طوارىء اقتصادية ومالية، وهي ماضية في برنامجها التنفيذي لمعالجة أزمة معقدة ومتشعبة، والايام القليلة المقبلة ستبرز مجموعة خطوات يلمسها المواطن اللبناني على كلّ المستويات. وبالتالي، كلّ كلام عن تأخّر الحكومة او تقصير من جانبها ينطوي على ظلم لها. بالتأكيد انّ السرعة مطلوبة، ولكن ليس التسرّع، خصوصاً أنّ الكثير من الإجراءات تتطلّب عناية فائقة ودراسة معمّقة لكي تأتي ثمارها بإيجابيات تريح اللبنانيين وتطمئنهم”.

إعتمدوا على أنفسكم!

على انّ الحركة الديبلوماسية العربية والغربية التي نشطت في الايام الاخيرة، وإن كانت قد عكست الموقف التقليدي لجهة الوقوف مع لبنان ودعم استقراره السياسي والاقتصادي والامني، ودعوته الى الاستجابة الى المطالب الشعبية وتطبيق الاصلاحات ومكافحة الفساد، فإنها عكست في جوهرها تأكيداً على انّ باب المساعدات الخارجية للبنان، وتحديداً المالية، موصَد بالكامل، وتشجيعاً مباشراً بأنّ على لبنان أن يعتمد على نفسه في هذه المرحلة.

وعرضت مصادر موثوقة لـ”الجمهورية” خلاصة للحركة الديبلوماسية، تضمّنت الآتي:

أولاً، بالنسبة الى الولايات المتحدة الاميركية، فهي تضع الحكومة اللبنانية تحت مجهرها، وتأخذ على الحكومة انها لم تقم بعد بأي خطوة في مجال الاصلاح. وبالتالي، هي ليست راغبة في تقديم اي نوع من المساعدات للبنان، ما خَلا استمرارها في برنامج دعمها للجيش اللبناني.

ثانياً، الموقف الروسي يعكس رفع موسكو لدرجة الاهتمام بلبنان، وانها على استعداد للمساعدة وللتجاوب مع أي طلب لبناني يأتي اليها، وهو ما تبلغته مباشرة شخصيات لبنانية من كبار المسؤولين الروس.

ثالثاً، الاتحاد الاوروبي، وفي مقدمته فرنسا، ملتزم بما قررته مجموعة الدعم الدولية تجاه لبنان، ولكن ربطاً بالخطوات الاصلاحية المطلوبة من الحكومة اللبنانية التي حدّدها “سيدر”، وبالتوازي لا مساعدات فرنسية نقدية للبنان، لكن باريس أعربت عن استعدادها لمساعدة لبنان للاستحصال على مساعدات على شكل استثمارات من بعض الدول الصديقة.

رابعاً، الموقف العربي، الأمر الاساس الذي ينبغي على اللبنانيين ان يضعوه في حسبانهم هو انّ الدول الخليجية خصوصاً تلك التي لها تاريخ على خط المساعدات، لم تقدم حتى الآن – حتى لا نقول لن تقدم – ما يؤشّر الى انها تنوي أن تقدّم، أي نوع من المساعدة للبنان، سواء في فترة قريبة او في فترة لاحقة، لا حول مشاريع استثمارية ولا مساعدات نقدية مباشرة على شكل ودائع او ما شبه ذلك.

وفي هذا السياق الخليجي، تكشف المصادر الموثوقة بعضاً ممّا أبلغه مسؤول أميركي الى زوّار لبنانيين الى واشنطن بعد فترة قصيرة من نَيل حكومة حسان دياب الثقة، وحرفيّته: “خلال حكومة سعد الحريري، سألت واشنطن بعض دول الخليج ما اذا كانت راغبة في أن تؤمن للبنان بضع ودائع مالية، الّا انّ ما قاله المسؤولون الخليجيون عكسَ بشكل واضح عدم الثقة بالمسؤولين اللبنانيين، وشَكوا بأنّ الاموال الطائلة التي دفعوها على مدى سنوات طويلة، كانت تذهب في معظمها الى جيوب بعض المسؤولين، بدل أن تذهب الى مشاريع تستفيد منها الدولة اللبنانية”.

ويضيف المسؤول الاميركي، بحسب المصادر: والآن، مع حكومة حسان دياب، لا توجد حماسة خليجيّة في اتجاهها، وحتى لو انّ الخليجيّين فكروا في تقديم اي اموال للبنان، فإنّهم في الوقت نفسه لا يثقون بأنّ هذه الاموال ستستخدم في مكانها الصحيح، بل انّ التجربة مع اللبنانيين جعلتهم يخشون من انّ هذه الاموال إذا قدّمت لهم، فإنها ستُهدر ويُساء استعمالها وستذهب الى تمويل الفساد”.

وتضيف المصادر الموثوقة على كلام المسؤول الاميركي قولها في هذا المجال: حتى ولو كان لدى دول الخليج الرغبة في مد يد المساعدة للبنان، فهي لا تستطيع ذلك في الوقت الراهن، وذلك بعد أزمة “كورونا” وهبوط الاسهم والانخفاض الحاد في أسعار النفط”.

صندوق النقد

الى ذلك، كشفت مصادر وزارية لـ”الجمهورية” انّ لبنان تلقّى في الآونة الاخيرة نصائح من دول اوروبية واخرى في اميركا الشمالية يربطها تحالف وثيق مع الولايات المتحدة الاميركية بأن يتوجّه نحو صندوق النقد الدولي، باعتباره السبيل الوحيد المُتاح أمام لبنان لمساعدته على تجاوز أزمته.

وأكدت هذه النصائح انّ من شأن اللجوء الى صندوق النقد، أن يفيد لبنان اولاً، وفي الوقت نفسه يطمئن الدول الغربية ويشجّعها على التعامل مع لبنان بفعالية وايجابية أكبر ممّا تكون عليه في وضعه الحالي.

وعلمت “الجمهورية” انّ عدداً من الوزراء داخل الحكومة، يشدون في اتجاه الاستعانة بصندوق النقد الدولي، “باعتباره وحده القادر على ان يقدّم الاموال للبنان، الذي يحتاج الى جرعات متتالية من السيولة أو ما يعرف بـ”الفريش ماني”، ومن دون هذه الاموال لا مجال للبنان ان يستعيد حيويته وعافيته او يستعيد وضعه الذي كان عليه قبل 17 تشرين الاول 2019″.

الى الصندوق… ولكن!

الّا أنّ مصادر وزارية معنية بالشأن المالي قالت لـ”الجمهورية”: حتى الآن لا يوجد قرار بالتوجّه نحو صندوق النقد الدولي، وهذا لا يعني انه ليس مطروحاً.

أضافت المصادر: “ولكن في حال قررنا اللجوء الى الصندوق، فإنّ الموقف سيتلخّص بأننا مستعدون للجوء الى صندوق النقد، إنما بشروط لبنان، بحيث نستطيع ان نتوجّه الى الصندوق، ونفاوض على أحسن الشروط التي تفيد الدولة اللبنانية”.

ورداً على سؤال عمّا اذا كان الثنائي الشيعي المتمثّل بحركة “أمل” و”حزب الله” يعارضان التوجّه الى صندوق النقد، قالت المصادر: لا مانع لدى ايّ طرف داخلي بأن يلجأ لطلب المساعدة من الصندوق، ولكن شرط ألّا تكون هذه المساعدة وسيلة للتسلّل ووضع البلد تحت وصاية الصندوق، وشرط الّا تؤدي هذه المساعدة ايضاً الى زيادة معاناة الشعب اللبناني، عبر شروط قاسية وفرض ضرائب جديدة.

معارضون

على انّ التوجّه الى صندوق النقد، هو محل انقسام حوله في الداخل اللبناني، ويُدرج “حزب الله” في خانة المعارضين. وقالت مصادر سياسية معارضة للتعاطي مع الصندوق لـ”الجمهورية”: “انّ تاريخ صندوق النقد الدولي مأساوي، وثمّة تجارب عديدة تؤكد ذلك، إذ انّ دولاً عديدة واجَهت أزمات وتعثرت ولجأت الى صندوق النقد في ظل شروط كانت تسبّبت في الغالب بمزيد من “التغوّل” في هذه الدول، بسبب الالتزامات التي فرضت على هذه الدول”.

مؤيّدون

وفي المقابل، قالت مصادر مؤيدة لهذا التوجه لـ”الجمهورية”: لبنان حاليّاً في وضع ينطبق عليه القول إنّ الضرورات تبيح المحظورات، ولنفرض انّ اللجوء الى صندوق النقد من المحظورات، الّا انّ الضرورات اللبنانية الحالية توجِب اللجوء اليه، إذ لا بديل امام لبنان سوى هذا الطريق، وانّ الدولة اللبنانية لا تملك خطة لتوفير اموال للبنان من أي مصدر آخر، ولكن قبل الذهاب الى صندوق النقد يجب أولاً أن تعدّ الحكومة برنامجها الذي ستقنع من خلاله صندوق النقد بأن يساعد، فالصندوق في نهاية الامر يريد استرداد امواله، ويريد قبل ان يقرض المال ان يعرف كيف سيستردّه، وما هي الضمانات التي ستقدمها الحكومة لقاء ذلك. لذلك، الكرة هنا ليست في ملعب الصندوق بل في ملعب الدولة اللبنانية.

الاصلاحات أولاً

في السياق نفسه، كشفت مصادر نيابية لـ”الجمهورية” انّ لقاء مغلقاً عُقد قبل فترة قصيرة بين نواب من لجنتي المال والموازنة والشؤون الخارجية في مجلس النواب، مع ممثلين عن صندوق النقد الدولي، وجرى نقاش حول ما يمكن أن يقدّمه الصندوق للبنان.

وبحسب المصادر فإنّ ممثلي الصندوق كانوا متحفّظين حيال التجاوب او عدمه إذا ما طلب لبنان مساعدة الصندوق، مشيراً انّ الواجب أولاً هو ان تعدّ الحكومة اللبنانية خطتها، والتي يبني صندوق النقد قراره على أساسها.

وأشارت المصادر الى انه بعدما استفسَر ممثلو الصندوق حول موضوع الضرائب، حرص النواب على التأكيد انه “ليس وارداً القبول بأن تُزاد الضرائب على الشعب اللبناني، قبل ان يرى بأمّ عينه ويلمس بيده انّ هناك إصلاحات قد بُدىء بها، وجديّة في العلاج والانقاذ، واللبنانيون نزلوا الى الشارع مطالبين بالاصلاحات، ولذلك الاصلاحات يجب ان تأتي قبل أي أمر آخر، ولن يقبل اللبنانيون بأي شكل من الاشكال ان يموّلوا الفساد.

المصرف والمصارف

الى ذلك، ورغم دقة الوضع المالي وخطورة المرحلة التي يجتازها لبنان في هذه الاثناء بانتظار يوم الثلاثاء، وهو موعد سريان مفعول التخلف عن دفع سندات “اليوروبوندز”، طغت أخبار فيروس كورونا على ما عداها، حتى على المستوى المالي والاقتصادي.

ولفت أمس، طلب حاكم مصرف لبنان رياض سلامة من المصارف اللبنانية كافة، “إعطاء الاولوية في التحويلات لشراء المواد والمستلزمات والمعدات الطبية لمكافحة فيروس كورونا”.

هذا الطلب على أهميته وأحقيته، أثار مخاوف من أن يؤدي ذلك الى إلغاء التحويلات الضئيلة الاخرى التي كانت المصارف لا تزال تقبل بإجرائها، ومنها على سبيل المثال تحويل الاموال الى الطلاب في الخارج.

في سياق متصل، قرّرت جمعية المصارف أمس إغلاق أبوابها اليوم، “وذلك لتمكين المصارف من إجراء التعقيم الضروري لفروعها وتزويدها بمستلزمات الحماية الضرورية للعملاء والموظفين”.

وجاء قرار الجمعية بعدما كانت قد رفضت أمس طلب نقابة الموظفين الاغلاق بهدف التعقيم، لكنها بَدّلت موقفها وأعلنت إغلاق المصارف أبوابها اليوم، على أن تعاود نشاطها كالمعتاد بعد غد الاثنين.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *