الرئيسية / قضايا المرفأ / انفصال جنوب السودان بين صراع السلطة واستغلال النفط
سودان

انفصال جنوب السودان بين صراع السلطة واستغلال النفط

جنوب السودان أو رسميا جمهورية جنوب السودان هي بلد غير ساحلي في شمال شرق أفريقيا التي نالت استقلالها من السودان في عام 2011. عاصمتها الحالية جوبا، وهي أيضا أكبر مدنها. وكان مخططا أن يتم تغيير العاصمة إلى رامشيل التي تقع في مكان أكثر مركزية وذلك قبل إندلاع الحرب الأهلية. يحد جنوب السودان السودان في الشمال وإثيوبيا من الشرق، وكينيا من الجنوب الشرقي، وأوغندا إلى الجنوب، وجمهورية الكونغو الديمقراطية إلى الجنوب الغربي، وجمهورية أفريقيا الوسطى إلى الغرب. ويشمل منطقة مستنقعات شاسعة من السد، التي شكلتها النيل الأبيض والمعروف محليا باسم بحر الجبل.

 

احتلت أراضي الحديثة جنوب السودان وجمهورية السودان عن طريق مصر تحت أسرة محمد علي، وبعد ذلك يحكم باعتبارها عمارات الأنجلو المصرية، إلى أن يتحقق استقلال السودان في عام 1956. وبعد الحرب الأهلية السودانية الأولى، تم تشكيل منطقة جنوب السودان الذاتية الحكم في عام 1972 واستمرت حتى عام 1983. وسرعان ما وضعت الحرب الأهلية السودانية الثانية وانتهت مع اتفاق السلام الشامل لعام 2005. وفي وقت لاحق من ذلك العام، تم استعادة الحكم الذاتي في الجنوب عندما تم تشكيل حكومة الحكم الذاتي في جنوب السودان.

 

أصبح جنوب السودان دولة مستقلة في 9 يوليو 2011، في أعقاب الاستفتاء الذي مرت مع 98.83٪ من الأصوات. وهي دولة عضو في الأمم المتحدة, دولة عضو في الاتحاد الأفريقي, من جماعة شرق أفريقيا, والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية. وفي يوليو 2012، وقعت جنوب السودان لاتفاقيات جنيف. عانى جنوب السودان الصراع الداخلي منذ استقلالها؛ اعتبارا من 2016 لديها ثاني أعلى درجة على مؤشر الدول الهشة (سابقا مؤشر الدول الفاشلة).

 

تاريخ جنوب السودان لا يعرف عنه إلاَّ القليل قبل عام 1820.. وبدأ كثيراً من الأوروبيين رحلاتهم لاكتشاف منابع النيل.. خلال فترة الحكم التركي قبل عام 1885عيّن الخديوي «حاكم مصر» بعض الأوروبيين كمديرين للاستوائية لخدمة أغراضه ومد نفوذه وقد اشتهرت فترة الحكم التركي وفترة حكم المهدية 1885 – 1899 بغارات جلب الرقيق التي قام بها بعض الأوروبيين والمصريين وأهل شمال السودان مما نجم عنه شعور زائد بالكراهية وولّد خوفاً شديداً تجاه الشماليين.. بالطبع فقد حُرِّمت تجارة الرقيق بعد الفتح المصري الإنجليزي عام 1899. من ناحية الدين والمعتقدات فأغلبية سكان شمال السودان يعتنقون الدين الإسلامي أما معظم سكان الجنوب فلا دينيين وقد بدأت الارساليات المسيحية عملها في الجنوب منذ عام 1848وتم زيادة نشاطها وتنظيمه بعد الفتح في عام 1899 وقد سمح لكل من الإرسالية الكاثوليكية والإرسالية البروتستانية بالعمل التبشيري في جنوب السودان مع تكليفها بمسؤولية نشر التعليم بين أبناء وبنات الجنوب بل وقدّمت لها إعانات مالية من الحكومة بدءاً من عام 1927.

يعد التاريخ السياسي لجنوب السودان من الملفات المهمة لفهم طبيعة السودان الخاصة، حيث تضافرت مجموعة من العوامل علي تقسيم السودان معنويًا قبل أن تصبح حدوديًا في القرن التاسع عشر عندما استعمرت بريطانيا السودان مع مصر. قامت السياسات الاستعمارية علي اظهار الاختلافات الإثنية واللغوية والعرقية والدينية، وفرقت المملكة المتحدة في التعامل مع الجنوب والشمال في قضايا أهمها التعليم، فبدأت تظهر الاختلافات الثقافية وساد اعتقاد لدي الأوساط المسيحية في الجنوب أن الشماليين هم تجار رقيق. وبعد جلاء القوات بريطانيا وانفصال السودان عن مصر طالب الجنوبيون أن يكون لهم نظام خاص لهم داخل الدولة السودانية الموحدة، وهو الأخذ بنظام الفدرالية، ولكن الحكومة رفضت الاقتراح معللة إنه يؤدي إلى انفصال الجنوب كتطور طبيعي. في أغسطس 1955 تمرد بعض أعضاء الفرقة الجنوبية من الجيش السوداني بإيعاز من المملكة المتحدة ضد الشمال، حيث كانت هناك شكوك لدي الجنوبيين على سياسات وزارة إسماعيل الأزهري التي تشكلت في يناير من نفس العام. وفي عام 1958 وبعد تولي إبراهيم عبود للسلطة قامت الحكومة العسكرية باتباع سياسة التذويب بالقوة مع الجنوبيين، وأدي ذلك إلى مطالبة الأحزاب الجنوبية وعلي راسهم “حزب سانو” باستقلال الجنوب، كما تم تشكيل حركة أنانيا التي بدأت عملياتها العسكرية في عام 1963، وبعد الشد والجذب تم بحث تسوية سلمية للصراع، حيث عقد مؤتمر المائدة المستديرة عام 1965. وفي عام 1972 تم توقيع اتفاقية أديس أبابا والتي أعطت للإقليم الحكم الذاتي في إطار السودان الموحد، إلا أنه في يوليو وسبتمبر من عام 1983 أصدر الرئيس جعفر نميري عدة قرارات أطاحت بالاتفاق منها تقسيم الإقليم إلى ثلاثة أقاليم ونقل الكتيبة (105) وبعض الجنود إلى الشمال وإتهام قائدها كاربينو كوانين بإِختلاس أموال، كما تم إرسال قوات لإخضاعها فأدي ذلك إلى هروبها إلى الادغال الاستوائية لتصبح فيما بعد نواة لجيش الرب، فكلفت الحكومة العقيد جون قرنق بتأديب الكتيبة، إلا أنه أعلن انضمامه إلى المتمردين مؤسسًا الحركة الشعبية لتحرير السودان ولها جناح عسكري عبارة عن جيش، وأعلن إن هدف الحركة هو “تأسيس سودان علماني جديد” قائم على المساواة والعدل الاقتصادي والاجتماعي داخل سودان موحد، وقام برفع شعارات يسارية فحصل علي دعم من إثيوبيا وكينيا خصوصًا الرئيس الإثيوبي منغستو هيلا ميريام.

 

وبعد الإطاحة بنظام جعفر نميري عبر انتفاضة شعبية عام 1985 كان هناك أمل في التوصل إلى اتفاق مع الحركة، ولكنه فشل بعد اجتماع رئيس الوزراء الجديد الصادق المهدي مع قرنق بعام 1986. وفي نوفمبر من عام 1988 تم إبرام اتفاق بين قرنق ومحمد عثمان الميرغني في أديس أبابا والذي نص على تجميد قرارت سبتمبر 1983، ولكن هذا الاتفاق لم يأخذ طريقه إلى التنفيذ بعد انقلاب يونيو 1989 بقيادة عمر البشير والتي تبنت شعار “الجهاد الإسلامي” ضد القوى الجنوبية مستعينة بتسليح مليشيات تدعى قوات الدفاع الشعبي، وحققت الحكومة عددة انتصارات عسكرية.

 

وفي أغسطس 1991 وبعد سقوط نظام منغستو في إثيوبيا وانشقاق الحركة الشعبية، حاولت الحكومة الاستفادة من هذا الانشقاق فأجرت الاتصال منفردة مع لام أكول بوثيقة عرفت باسم “وثيقة فرانكفورت” والتي وقعت في يناير من عام 1992، إلا أن الحكومة السودانية أنكرتها بعد ذلك. وفي مايو 1992 وتحت رعاية الرئيس النيجيري إبراهيم بابنجيدا أجريت الجولة الأولى للمفاوضات في أبوجا، ثم الجولة الثانية في مايو من عام 1993، ولكن لم تسفر هذه المفاوضات عن شيء. وتضاعفت الجهود الدولية من خلال “منظمة الإيغاد” إلى أن تم توقيع اتفاق اطاري يسمي “بروتوكول ماشاكوس” وذلك في يوليو من عام 2005 والذي أعطى للجنوب حكم ذاتي لفترة انتقالية مدتها 6 سنوات، وحق تقرير المصير وفرصة للجنوبيين لتفكير في الانفصال، كذلك أعطى الفرصة في بناء مؤسسات الحكم الانتقالية كنوع من الضمانات. وفي 9 يناير 2005 وقعت الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان اتفاقية السلام الشامل في نيفاشا، والذي نصت بنوده على:

 

   1- حق تقرير المصير للجنوب عام 2011.

 2-   اجراء انتخابات عامة علي كافة المستويات في مدة لا تتجاوز عام 2009.

  3-  تقاسم السلطة بين الشمال والجنوب.

 4-   تقاسم الثروة.

 5-   إدارة المناطق المهمشة بين الشمال والجنوب.

6-    الترتيبات الأمنية.

 

تم الاستفتاء على تقرير المصير في 9 يناير 2011 وصوت الجنوبيون باكتساح للانفصا

تنقسم جنوب السودان إلى عشر ولايات هي:

 

  1-  ولاية الاستوائية الوسطى وعاصمتها جوبا وتنقسم إلى ستة مقاطعات و45 بيام. وتبلغ مساحتها43.033كيلومتر مربع.عدد سكانها 1.103.557 نسمة.

 2-   ولاية غرب الاستوائية وعاصمتها يامبيو وتنقسم إلى عشرة مقاطعات و48 بيام وتبلغ مساحتها79.343كيلومتر مربع .عدد سكانها 619.029 نسمة.

   3- ولاية شرق الاستوائية وعاصمتها توريت وتنقسم إلى ثمانية مقاطعات و53 بيام وتبلغ مساحتها73.472كيلومتر مربع .عدد سكانها 906.161 نسمة.

 4-   ولاية البحيرات وعاصمتها رمبيك وتنقسم إلى ثمانية مقاطعات و49 بيام وتبلغ مساحتها43.595كيلومتر مربع .عدد سكانها 695.730 نسمة.

 5-   ولاية واراب وعاصمتها كواجوك وتنقسم إلى سبعة مقاطعات و47 بيام وتبلغ مساحتها45.567كيلومتر مربع. عدد سكانها 972.928 نسمة.

  6-  ولاية غرب بحر الغزال وعاصمتها واو وتنقسم إلى ثلاثة مقاطعات و16بيام وتبلغ مساحتها91.076كيلومتر مربع. عدد سكانها 333.431 نسمة.

 7-   ولاية شمال بحر الغزال وعاصمتها اويل وتنقسم إلى خمسة مقاطعات و39 بيام وتبلغ مساحتها30.543كيلومتر مربع .عدد سكانها 720.898 نسمة.

   8- ولاية جونقلي وعاصمتها بور وتنقسم إلى اثني عشر مقاطعة و75بيام وتبلغ مساحتها122.581كيلومتر مربع .عدد سكانها 1.358.602 نسمة.

 9-   ولاية الوحدة وعاصمتها بانتيو وتنقسم إلى تسعة مقاطعات و73بيام وتبلغ مساحتها37.837كيلومتر مربع .عدد سكانها 585.801 نسمة.

  10-  ولاية أعالي النيل وعاصمتها ملكال وتنقسم إلى عشرة مقاطعات و70بيام وتبلغ مساحتها77.283كيلومتر مربع .عدد سكانها 964.353 نسمة.

وأضاف أن ويمر يقدر النزاع في الدول الناشئة بشأن القبيلة أو العرق الذي يسيطر على الحكم، بنحو ستين عاما، ويقول إن الخبر السعيد هو أن أغلب الدول الأفريقية قاربت على هذه المدة، ولكن الخبر السيء هو أن أمام جنوب السودان 50 عاما أخرى.

تبلغ مساحة جنوب السودان أكثر من 600.000 كم مربع تقريبًا.

 

النفط

النفط أحد أهم الملفات في علاقات جنوب السودان والسودان.

كانت حقوق امتياز استخراج النفط السوداني منذ عام 1974 (أثناء حكم جعفر النميري) بيد شركة شفرون الأمريكية التي حفرت 90 بئراً في مساحة قدرها(42 مليون هكتار) كانت ثلاثين منها منتجة وواعدة. غير أنها -أي شيفرون- لأسباب أمنية واقتصادية وسياسية كانت قد جمدت نشاطها وخرجت من السودان منذ العام 1984. هذا علماً بأن فاتورة استيراد الطاقة والمحروقات كانت تكلف البلاد أكثر من ثلث عائداتها من الصادر (300-350 مليون دولار). وكانت الاختناقات والندرة في هذا المجال في السودان هي الأكبر منها في أية سلعة استهلاكية وحيوية أخرى.[27]

 

عملت حكومة الإنقاذ في عامها الثاني 1991 على:

    استجلاب مصافي صغيرة واستغلال نفط حقل أبوجابرة والحقول الأخرى وإن كانت محدودة الإنتاج يومئذ.

    تحرير حق الامتياز من شركة شيفرون الأمريكية ومحاولة الاتصال بشركات أخرى غير واقعة تحت السيطرة الأميركية ولديها إمكانية القيام بالمهمة.

 

ولقد كان الأمر الثاني هو الأهم على كل حال. وقد تحقق على يد إحدى شركات القطاع الخاص السوداني المسجلة والعاملة في الخارج وهي شركة (كونكورب العالمية) ومنها انتقلت إلى الحكومة لتصب اهتمامها الكبير نحو هذا الهدف الإستراتيجي. فتداعت للمشروع بعض الشركات الصغيرة في بادئ الأمر كشركة (State Petroleum) الكندية التي تدفق على يديها النفط السوداني لأول مرة في الخامس والعشرين من يونيو حزيران 1996 بكميات لم تبلغ العشرين ألف برميل في اليوم. وكانت تنقل إلى مصفاة (الأبيض) الصغيرة بالقطارات والشاحنات.

 

وقد فتح ذلك الباب كما هو معلوم إلى دخول مجموعة الائتلاف التجاري (الصينية 40% والماليزية 30% والكندية 25% والحكومة السودانية 5%) لتبدأ رحلة إنتاج وتسويق النفط السوداني الحقيقية وليصبح في عداد الصناعة والإنتاج التجاري. ففي ظرف ثلاث سنوات فقط ارتفع مستوى الإنتاج من 150 ألف برميل في اليوم إلى 220 ألف برميل في اليوم حالياً وهي الكمية التي يتوقع لها أن تتضاعف خلال عامين أو ثلاثة. فقد أقيم مركز لتجميع النفط في حقل هجليج بولاية جنوب كردفان إحدى ولايات البلاد الشمالية، ثم امتد خط أنبوب الصادر من هناك إلى شواطئ البحر الأحمر بطول 1600 كيلو متر حيث ميناء بشائر الذي أعد خصيصاً لتصدير النفط الخام الذي يستهلك منه محلياً 60 ألف برميل في اليوم ويصدر الباقي (160 ألف برميل). وقد دشنت أول شحنة صادرة من هذا الميناء في الثلاثين من آب/ أغسطس 1999

 

وبقيام مصفاة الجيلي شمال الخرطوم بالتمويل مناصفة بين الحكومة السودانية وجمهورية الصين، وبطاقة إنتاجية قوامها خمسة وعشرون ألف برميل. اكتفى السودان من البنزين والغاز وأصبحت له منهما كميات للصادر أيضاً. وذلك إلى جانب مصفاة بورت سودان التي أنشئت في مفتتح الستينيات وتنتج 50 ألف برميل ينتظر أن ترتفع إلى 75 ألفا. ولعل الإنجاز المهم في هذا السياق هو قيام مركز معلومات وتدريب وتحليل وتطوير الطاقة في العاصمة الخرطوم بعد أن كان ذلك كله يتم في الخارج. وبذلك تكون قد توفرت وتكاملت إلى حدٍ كبير الصناعة النفطية في البلاد، بعد أن تداعى للمشاركة في إنتاج وتطوير هذه الصناعة الإستراتيجية شركات أوروبية وروسية وخليجية، إلى جانب الشركات الكبرى الثلاث التي نهض على يديها المشروع وهي الشركة الصينية الوطنية لإنتاج البترول والشركة الماليزية بترو ناس والكندية تلسمان.

الصراع على النفط

خلفت الحروب والصراعات في جنوب السودان ضحايا بمئات الآلاف، ويظهر هنا مخيم لاجئين لهاربين من الصراع الشمالي الجنوبي وبالتحديد في ولاية النيل الأزرق وولاية أعالي النيل.

 

بدأ الصراع على النفط بين الشمال الجنوب بمساعدة القوى الدولية الكبرى والإقليمية التي تقف خلفهما. ذلك أن النفط بعد أن أصبح سلعة للاكتفاء الذاتي والصادر وصارت له مردودا ته وعائداته الإيجابية على مسيرة البلاد الاقتصادية المتعثرة فظهر ذلك على الموازنة المختلة، ومضى بها إلى التوازن، وانتهى سعر الصرف المنفلت إلى الثبات والاستقرار، ومعدل التضخم إلى الهبوط، لفت الانتباه إلى جملة أشياء من أهمها:

 

    أولاً: أن لعبة النفط وصراع المصالح في أفريقيا دخلت فيه قوىً غير تقليدية وهي الصين وماليزيا من البلاد الآسيوية الناهضة. ولابد أن ذلك يثير حساسيات الآخرين وتوجساتهم إذ لم يكن وارداً في حسبانهم يوم أغلقت شيفرون الآبار وختمت عليها ويوم تخلت عن امتياز التنقيب إلى شركة معروفة لتضعها بين يدي الحكومة أن أحدا سيأتي ليفض تلك الأختام فتنطلق مسيرة النفط.

    ثانياً: أدى ظهور النفط في السودان واستغلاله تجارياً إلى تفكيك طوق العزله المضروب على البلاد وفتحها أمام بيوت التمويل والصناديق والأفراد الذين يرغبون في الاستثمار وفي مقدمتهم صندوق النقد الدولي الذي أخذ في توفيق الأوضاع وتطبيعها مع القطر الذي طالما همّ بطرده منه في يوم من الأيام، وهذا يضر بل ويفكك نظرية الاحتواء المزدوج للنظام السوداني ومحاصرته وعزله اقتصاديا ودبلوماسياً ويصب هذا كله في النهاية ضد مصلحة المعارضة السودانية ومجموعات الضغط الأجنبية التي تساندهما.

 

وتأسيسا على ذلك ظهرت ملامح الصراع وبرزت في أمرين باديين للعيان هما:

    الأول: محاولات التجمع الوطني الديمقراطي المتكررة (ثلاث مرات) ضرب أنبوب التصدير من جهة الشرق عبر التسلل من دولة إريتريا المجاورة التي تستضيفه، غير أن هذه المحاولات لم تكن فاعله أو مؤثرة إذ كانت تحتوى وتحاصر في حينها.

    الثاني: إقحام حركة التمرد لموضوع النفط في صراعها مع الحكومة حيث وضعت إيقاف ضخه وتصديره شرطاً لازماً لوقف إطلاق النار الدائم بينها وبين الحكومة. وقد ظلت مجموعات الضغط المسيحي والكنسي والأخرى الموالية لحركة التمرد بقيادة العقيد جون قرنق ظلت خلف الكونغرس والإدارة الأميركية لتكثيف ضغوطهما على الشركات العاملة في المشروع السوداني وبخاصة الشركات الكندية والأوروبية لوقف العمل والانسحاب من المشروع جملة واحدة وإلا خضعت لعقوبات منها الحرمان من تداول الأسهم في بورصة نيويورك، كما جاءت بذلك قرارات صادرة عن الكونغرس للإدارة الأميركية التي طالبت بدورها بتجميد عائدات النفط ووضعها في حساب خاص حتى تكتمل عملية السلام في البلاد وذلك بدعوى أن الحكومة السودانية تستغل تلك الأموال في تسليح الجيش ومن ثم تأجيج نار الحرب والاستمرار فيها..!. إلى جانب ذلك رصدت الأموال والتسهيلات اللوجستيه من قبل الكونغرس ووزارة الخارجية الأميركية لحركة التمرد، باعترافهما وفى وثائق مشهورة ومنشورة، ليصبح بإمكانها تحديد آبار النفط في ولاية الوحدة إحدى ولايات بحر الغزال الكبرى وبالفعل تم الهجوم على ولاية بحر الغزال في الأسابيع القليلة الماضية ولكن تم احتواء الهجوم وتمكنت الحكومة من صده.

 

على أنه، ومهما يكن من أمر الضغوط الأميركية التي تكاتفت على الحكومة الكندية وشركة (تلسمان) التي تملك 25% من الائتلاف التجاري فإنها لن تنال من الشركات الأخرى الصينية والماليزية والنمساوية والروسية والسويدية والخليجية كما يتوقع أن تنضم إليها قريباً حسب مصادر وزارة الطاقة السودانية شركات يابانية.

 

ذلك فيما يتصل بالضغوط الخارجية على الشركات العاملة وأما المعارضة فقد توقفت هجماتها على الأنبوب الناقل للخام منذ أكثر من عام بسبب الرفض المتزايد شعبياً لهذه الهجمات التي تعتبر استهدافاً لمشروع وطني قومي يعول عليه في إسعاف الوضع الاقتصادي المتردي فضلاً عن تنامي وتصاعد الدعوة للحل السياسي السلمي الذي تتبناه اليوم مبادرات داخلية وخارجية أهمها مبادرة (دول الإيقاد) والمبادرة المصرية الليبية المشتركة.

 

وعندما ألحقت مؤخراً الحركة الشعبية لتحرير السودان قضية النفط بأجندتها جاعلة من وقف إنتاج النفط وعدم تصديره شرطاً لوقف إطلاق النار الدائم وجد ذلك التوجه رفضاً من أقرب الأقربين لها وهو الحزب الشيوعي السوداني الذي اتهمت سكرتاريته في بيان لها صدر في الأسابيع الأخيرة زعيم الحركة الشعبية بعدم الالتزام بالقضايا الوطنية الكبرى. وكذاك فعلت الأحزاب السياسية الأخرى ومن بينها حزب الأمة والمؤتمر الشعبي الذي وقع مع الحركة في فبراير 2004 ما عرف بـ (تفاهم جنيف).

اختيار الجنوب للانفصال لا يمثل نهاية التاريخ، هذا ما أكد عليه السياسي والباحث الشفيع خضر برغم إحقاقه لحق الجنوبيين في تقرير مصيرهم بالانفصال.

ذلك حلم، ربما يتجسد في المستقبل، وفي الذهن عودة ألمانيا موحدة برغم حائط برلين الشهير.. لكن الشفيع خضر ربط بين هذه العودة الحلم وبين توفير الشراكة بين مصالح المواطنين بشطري السودان -أولا- بإقامة إخاء بين الدولتين، ووقف الحرب وخطاب الكراهية، وكفالة الحريات الأربع: حرية التنقل وحرية الإقامة وحرية العمل وحرية التملك، وقسمة الأصول الثابتة ومعالجة الديون الخارجية واستمرار تدفق النفط الجنوبي بأراضي الشمال، إضافة لحرية التجارة في الحدود، وتحقيق التعايش الآمن في المنطقة.

    “إعادة السودان واحدا موحدا -كحالة فريدة من التباين- ممكنة, ولا تزال الكرة في ملعب أنصار فكرة السودان الجديد, والأفكار العظيمة لا تموت حتى لو غيب الموت أصحابها العظام

فرص العودة للوحدة تتراءى، وإن كانت بعيدة. ولعل إطلاق الجنوبيين اسم “دولة جنوب السودان” على دولتهم الوليدة، فيه إشارة إلى إمكانية العودة.

ما يبقى مهما هو إطلاق الشعبين -في الشمال والجنوب معا- ثورة على المفاهيم التي أدت إلى الطلاق بإحسان.. تلك المفاهيم إلى خلقت عداوات وثارات وزعزعت ثقة كل شعب في الشعب الآخر.

إعادة السودان واحدا موحدا -كحالة فريدة من التباين- ممكنة، والكرة -برغم الانفصال- لا تزال في ملعب أنصار فكرة السودان الجديد، والأفكار العظيمة -بالطبع- لا تموت حتى لو غيب الموت أصحابها العظام.

 

السودان -بشطريه- يشكل أهمية جيوستراتيجية، لمنظومة الأمن القومي العربي، بحكم موقعه الجغرافي المتميز، وهو -في الوقت ذاته- يشكل ذات الأهمية لمنظومة دول القرن الأفريقي، بل للمنظومة الأفريقية إجمالا.

 

من هنا، جاء هذا الكتاب الضخم والمهم بفصوله الثلاثة عشر، والتي قام بكتابتها -بمهنية بحثية عالية- ثلاثة عشر كاتبا وباحثا من مختلف الدول العربية. كتاب وباحثون، لا يجمعهم فقط الشأن السوداني العربي والأفريقي، وإنما يجمعهم -وهذا مهم جدا- التفكير الملح، في مصير الدول العربية والأفريقية، تلك التي تعاني -مثل السودان- من التوترات ما ظهر منها وما بطن: التوترات بين “المركز” و”الهامش”، وتوترات “التباين” الثقافي أو العرقي أو الديني أو اللساني. ويجمعهم -للمرة الثالثة- الحرص على سلام هذا العالم، في هذه الألفية التي من أبرز تحدياتها حروب الاختلاف.

 

هذا العالم، الذي تداخلت فيه الكيانات المتغايرة بالمصالح المشتركة، وثورة الاتصالات العظيمة، أصبح قرية كونية واحدة، أو يكاد. من هنا يصبح لازما أن يتخلق سكان هذا العالم بأخلاق أهل القرية، ولا سبيل لمثل هذه الأخلاق إلا بالمثاقفة، والتي هي لازمة من لوازم الفهم، والتداخل الحميم، ولازمة من لوازم التعايش بإحسان.

وفي هذا السياق نشرت صحيفة الفايننشال تايمز تقريرا كتبه ديفيد بيلينع تحدث فيه عن جنوب السودان، وما آل إليه البلد منذ انفصاله عن السودان عام 2011، واندلاع حرب عرقية على السلطة والمال.

وقال ديفيد بيلينغ إن “هذا البلد ليس فيه أي مقومات الدولة من طرق أو أبنية أو مؤسسات، وإن هذه الأوضاع المزرية كانت متوقعة بما أن الفصائل العرقية تتقاتل من أجل السيطرة على السلطة والمال“.

وأضاف أن القتال حصد عددا كبيرا من الأرواح فيما يشبه التصفية العرقية، إذ تعتبر قبيلة الدينكا، التي ينتمي إليها الرئيس ، سيلفا كير ميارديت، ملكا لها، فراحت توغل في الاغتصاب والقتل وحرق القرى.

وأشار الكاتب إلى وصف خبير العلوم السياسية، أندرياس ويمر، للحروب والنزاعات في الدول الناشئة بأنها تمر بمرحلتين الأولى حرب نشأة الدولة والثانية هي حرب الصراع من أجل السيطرة على الحكم، وأي عرق أو قبيلة أو مجموعة تكون لها الغلبة. ويبدو، حسب الكاتب، أن جنوب السودان في المرحلة الثانية.

ورأى أن هذه الحروب العرقية والتناحر ليس حكرا على أفريقيا، كما يعتقد الكثيرون. فالولايات المتحدة، على حد تعبيره، نشأت بتصفية وإخضاع السكان الأصليين، والعودة إلى تاريخ الحربين العالميتين تبين أيضا وحشية ما وقع في القارة الأوروبية.

 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *